محاولة لقراءة منجز للدكتور نصيف جاسم


عمل للفنان (نصيف جاسم)، بعنوان (وجه واحد لكنه ليس كذلك)، وهو معمول بطريقة الـ(digital arts)، وقد نفذ بطريقة إنشائية يتقارب بنائها من اعمال الفنان (اندى وارهول) ، (في فنون ما بعد الحداثة) تحديدا في عام 1976، وقد عمد الفنان الى تأكيد اهمية ذلك الحدث في التقدم الذي اعتمد على مسايرة التقنيات واخراجها من جانبها العلمي البحت الى جانب اخر وهو الفن، أما إن لم يكن الفنان قاصداً لذلك فعلى الاقل تشير سمات الشكل وبشكل اشتراطي الى تلك الاعمال التي اعتمدت على وسائل طباعية حديثة.

اكد الفنان في عملية توزيع الوجه بوصفه رمز كلي للانسان على طريقة الكتابة فتارة يبدأ من اليسار الى اليمين واخرى يبدأ من اليمين الى اليسار، بمعنى أن للعمل جهتين ستلعب دورا كبيرا في عملية قراءته، على الرغم من كونه قد اعتمد على تكرار الحرف في نمط من الكتابة المتشابه – انه ليس وجها بالقدر الفيزيقي – وانما هو حرف متكرر له قابلية اليمين واليسار، الشكل الفني متكون من مجموعة وجوه متنوعة في تركيباتها اللونية، إلا أن حقيقة هذا التنوع قد ترجع إلى صورة وجه واحد. و يحتوي التكوين أو السطح الإنشائي على تراتبية متكررة، افصح ما فيها العيون وكانها تحاول ان توكد حضورها بشكل علني اكثر.

أننا حين ننظر إلى هذا العمل الفني لنستقرئ معناه من خلال مجموع التركيب الشكلي، الذي يشترك في بيان ذلك، سندرك ادراكاً اولياً ان المعنى يتمثل في(التعدد)أو هو يتمثل في نمط من الوحدة التي سرعان ما تبدو انها ليست كذلك، وهذا يعني ان الوجه المتحرك في هذا العمل الفني ليس مجرد شكل يريد ان يبين الفنان من خلاله مقدرته على تمثيل الموجود الواقعي بطريقة تقترب من الفن اكثر من قربها من الفوتوغراف، وإن كان هذا التبيين من الأشياء التي تلحظ ضمناً، وعلى الرغم من ان وحدة البناء الشكلي هنا تعالج فكرة واحدة وهي محاولة الخلاص من التكرار النمطي وبلوغ التحرر، فهو يعرض المتكرر ليخلص في النهاية لكشفه لنا بغية استبعاده، الا انها عاكسة كذلك لإمكانيات الفنان في التعامل مع الشكل الواحد وإضفاء الحركة عليه، ولعل إمكانياته التقنية في انتاج الفن الرقمي وتوظيف الحاسوب هي التي تثير فعل التلقي وتحيل العمل الفني إلى قيمة خطابية، تتخذ من فكرة الاستنساخ نافذة للتعبير وبشكل جيد على مسألة الخلاص من القيود التي يؤكد حضورها او يستدعيها النمط السكوني المتكرر، الامر الذي منح الشكل تحرراً حتى في صياغاته الإنشائية.

 لو نظرنا إلى العمل الفني وتسألنا عن المعنى الموجود فيه، أو المعنى المقصود من جراء تنفيذه، فإننا في خصوص هذه المسالة قد لا نتفق على معنى محدد، لاتساع تشفيراتنا التداولية والتاويلية، وأنا كمتلقي لهذا العمل الفني قد لا أتفق على عدد الوجوه، فبالإمكان ان يكون وجها واحداً وبالإمكان ان يكون ثلاثة او اكثر، لأن خطي اليمين واليسار اللذان اكد عليهما الفنان، يفصحان عن نمط من السلوك المتحرك هو الذي دعا لهذه المغايرة لان تكون او توجد، مع ملاحظة كبر حجم راس الانسان في العمل الفني، قد يشير إلى ان التكوين الإنشائي هنا يمثل مطلق الانسان، ذلك التوجه من المشخص المحدد الى اللامشخص واللامحدد، بغية الانفتاح في اعمام الموضوع ليصلح انطباقه على كل انسان، وانا بدوري استبعد جنسانية الانثى، واحيل الخطاب الى دعوة إلتفات ذكورية، تتم فيها قراءة الذات بشكل اقرب الى الذات عينها، تحديدا وقد فرشت افعالها متكررة – او مستنسخة . قلت انه خطاب وهذا يعني انه لا يخلو من محمولات، وهنا يأتي دور اتضاح او عدم اتضاح المعنى، لكون هذا العمل مستقلاً في وجوده، لأننا من خلال تحديد تركيباته الشكلية سندرك انه واحدة في ذات الوقت الذي ندرك انه متعدد، هو بمثابة الجمع بين متناقضين، فهو جزئي في كل التفصيلات وكلي في استدعائه لمفهوم الانسان الذي تكثف في الوجه، تبيانا لاهميته، فإذا كان التكوين في هذا العمل حاكياً عن وجود ثلاثة وجوه في حركة ما، أو هو حاكياً عن حركة وجه واحد، فان التركيب في معالجة هذه الحركة يشفر لعدم صواب الإعلان عن معنى محدد.

وعلى هذا الأساس يكون هذا العمل الفني متعلقاً بالصورة الجزئية والكلية معا، ونحن ندرك ان مساحة هذه الصور قد تكون الواقع الخارجي وقد تكون الذهن، بمعنى يمكن عدّ هذا العمل الفني انه عاكس للموجود الخارجي المتمثل بالواقع من جهة، وعاكس للموجود الذهني الكلي (مفهوم) الانسان من جهة اخرى، وبأيهما كان تعلق العمل الفني فان هذه المعالجة الشكلية تؤكد على واقعية التمثيل وصحة الحضور الشأني للمفاهيم.

احمد جمعة
كلية الفنون الجميلة
بغداد
19 – 6 - 2011
عمل دكتور نصيف جاسم
عمل اندي وار هول

تعليقات